عبد الرازق أحمد الشاعر يكتب عن : سطوة التوسلات

بمجرد تنصيبه كوزير دفاع لإسرائيل عام 1953، ذهب موشيه ديان إلى البنتاجون لينال شهادة لياقة من أصدقاء بلاده هناك. وحين سأله أحدهم: "ما تقييمك لما يمكن أن يحدث إذا ما اندلعت الحرب في الشرق الأوسط؟" قال الرجل في هدوء وثقة: "تتعرض إسرائيل لخطر الإبادة، وتحتل قواتنا دمشق في ثمانية أيام." وفي هذه الجملة التي لم يمزق تهافتها الظاهر فاصل من انقطاع نفس أو طويل تفكير اختصار لفلسفة إسرائيل في التعامل مع الذهنية العربية التي تترجم المفردات لا تراكيبها، وتتفاعل مع الأحداث خارج مضامينها.
هكذا يحلو لليهود الذين مارسوا الاستمناء الديني مع الكتب المقدسة وأفرغوا نصوص الإله من قدسيتها واستمرأوا قتل الأنبياء وسفك دماء المؤمنين على أعتاب معابدهم المقدسة أن يبدوا وأن يفعلوا. فالضعف سلاحهم الأمضى للقهر، لأنه يسول لضعاف العقول من أربابهم أن يصدقوا دموع التماسيح التي تسيل على جدران هيكلهم المزيف دوما، ويغضوا الطرف عن دموع أطفال يريقون دموع توسلاتهم تحت أقدامهم المقدسة ليل نهار.
هم الأقرب إذن للحسم لأنهم يمتلكون سطوة النفير والبدء بإشهار السلاح، لكنهم لا يفعلون حتى تظل أفئدة مموليهم من كافة الخرائط مشدودة نحوهم، وحتى تظل نيران هولوكوستهم المزعوم دائمة التأجج في ضمير العالم الذي لا يتقدم نحوهم إلا باعتذار ولا يبتعد عنهم إلا وهو يعض أصابع الندم. ولأنهم ضعاف حد المهانة، وأقوياء حد الاستهانة، تراهم لا يكفون عن الكيد لنا والتربص بنا وإشعال نار الحرب بين الفينة والأخرى في أوردتنا.
هم يريدونه زواجا قائما على المكر لا طلاقا بائنا يخسرون معه أفئدة مناصريهم في الخارج وأصوات عرابيهم في الداخل طمعا في استقواء قادم يستغنون به عن دعم المغرر بهم وتأييد التابعين لهم. وهو بالضبط ما أكدته رئيسة الوزراء الإسرائيلية جولدا مائير في ستينات القرن الماضي حين صممت على عقد مباحثات مباشرة مع العرب وتعرضت لنقد إعلامي لاذع، فقالت في سياق ردها على ملاحظة أبداها أحد المحاورين الذي كان لا يرى ضرورة لعقد لقاءات مباشرة مع الأعداء العرب - كنا أعداء يومئذ لمن لم يقرأ التاريخ. يومها قال الرجل: "المواجهة غير مفيدة حتى في حالات الطلاق،" فردت المرأة في حزم: "لا أسعى إلى الطلاق منهم، بل أطلب الزواج."
رب زيجة تهدم أوطانا وتدك عروشا وتدمر وعيا خيرا من طلاق يجر حمية ووعيا وصلابة عود ورشدا. وهو بالضبط ما انتهت إليه امرأة العزيز حين سمعت بمكر نسوة تحرشن بسمعتها ولمزنها في كرامتها، فأخذتهم إلى لفح الغواية فقطعن أيديهن حين امتدت أطماعهن إلى ما سبقتهن إليه شهوة امرأة غلقت الأبواب أمام فضيلتها واستسلمت لشهوة التدنيس والغواية. هكذا حملت ربيبة الكيد رؤوسنا نحو زواج باطل أجهضت فيه براءتنا وحولت تراث موسى إلى آبار نفط لتعوض ما قاساه أجدادها في فلواتنا القاحلة.
لهذا اتجهت مدرعة داوودية ذات ليل من حدودهم إلى حدودنا، لترتد إلى مواقع كيدها فتنصب عليها حمم طائراتهم ليتحول متجاوزو الحدود إلى جراثيم موبوءة تسيئ إلى بشرتنا وحروفنا. وهكذا أرادت العروس الماكرة أن تنجح في تأليب الكون الذي يتشيع لمكرها ضد مصريتنا المشكوك في ولاءاتها، وتنجح في إظهار ضعفها أمام شراستنا، لتحلب ما تبقى في ضرع العالم من تعاطف، وتعد العدة لغزو وشيك دفاعا عن ذاتها الماكرة. لم يتغير تاريخ غيهم إذن، لكننا لا نقرأ التاريخ ولا نفهم الجغرافيا، لأننا متورطون حتى النخاع في حروب أهلية تخدم أهدافهم التلمودية المزورة لتزج بنا في بئر التاريخ وتنفرد هي بصهوة العالم.
أديب مصري مقيم بالإمارات
Shaer129@hotmail.com